تعالى منفذاً، فلو كان هذا الذي استقامت سيرته، وبهرت حكمته، وثبتت معجزته، قد تقوّل على الله تعالى بعض الأقاويل، لكان الضرر من تقوّله على الله تعالى عظيماً؛ إذ ليس في أيدي الناس ما من شأنه أن يدل على أن ما بلغه متقوِّل على الله، فكان من مقتضى الحكمة أن يأخذ الله منه باليمين، ثم ليقطع منه الوتين، أما من تقوم الأدلة الجلية على أنه كاذب؛ كغلام أحمد، فقد يملي له الله تعالى لحكم، منها: إظهار فضل العلماء الذين يجاهدون في إنقاذ الغافلين من مهالك دعوته الخاسرة.
هذا وقد ذكر الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى:
{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}[الحاقة: ٤٥]:
أن المعنى: منعناه عن ذلك (أي: التقوّل) إما بإقامة الحجة؛ بأن كنا نقيض له من يعارضه في التقوّل، فيظهر للناس كذبه فيه، فيكون ذلك إبطالاً لدعواه، وهدماً لكلامه، وإما بأن نسلب منه القوة على التكلم بذلك القول.
ونحن نعلم أن الله تعالى قد نصب الأدلة على كذب غلام أحمد، وقيض له بعد ذلك طائفة من العلماء، فدفعوا باطله بالحجة، ونادوا في الناس بأنه مزمار من مزامير الشيطان، حتى ازداد كذبه وضوحاً، ودعوته خيبة، وسريرته افتضاحاً.
وقد أجرى الله على لسان غلام أحمد آيات تدل على أن ما يدعيه زور وبهتان، ومن هذه الآيات: أنه كان قد رغب في التزوج بفتاة من بنات بعض أقاربه، وسبق إلى ظنه أن والدها لا يحجم عن تزويجه إياها، فزعم أن اقترانه بها قد تقرر بطريق الوحي، ولكن أهل الفتاة امتنعوا من تزويجه إياها، وعزموا على أن يزوجوها برجل غيره، فلما بلغه هذا العزم، زعم أنه أوحي إليه مرة