للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن هاتين الآيتين لا تدلان على أكثر من أن الذي يكذب على الله تعالى يصيبه جزاء كذبه في الدنيا أو في الآخرة، ويجازى مع ذلك بالخيبة والحرمان من بلوغ المقصود والظهور على حماة الحق.

وقد أجرى الله تعالى على لسان غلام أحمد ما دل عله سخافة عقله، وفساد سريرته، وألقى به في خذلان حال بينه وبين الفلاح في الدنيا، وما بعد الموت أشد وأبقى.

على أن الآية الثانية لم تقع خطاباً لنبي، وإنما هي من قول موسى - عليه السلام - خطاباً لقوم فرعون، وليس فيها ما يدل على أن الله تعالى يسرع بإهلاك مدعي النبوة كذباً، ويصرف عنه حتى القلوب التي تقضي فيها الشياطين ليلها ونهارها، وغاية ما تدل عليه: أن المفتري على الله يخيب في دعوته، ويصيبه جزاء فريته. وإن دعوة لا تروج إلا عند نفر لا يفرقون، أو لا يريدون أن يفرقوا بين الليل إذ يغشى، والنهار إذا تجلى، لدعوة خاسرة.

وأما قوله تعالى:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:

٤٤ - ٤٦].

فليس المراد منه تقرير أن الله يعجل لإهلاك كل من يدعي النبوة كذباً، ويقطعه عن الحياة لأول ما يدعي النبوة، حتى إذا ادعى أحد السخفاء النبوة، وعبث بعقول طائفة من البله، أو اشترى نفوس طائفة من البؤساء، وعاش نحو ثلاثين سنة، قلنا: هذا صادق في دعوى النبوة! وإنما نزلت هذه الآية في حق محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد حفه الله تعالى بدلائل الصدق من كل جانب؛ بحيث لا يجد ذو الفطرة السليمة أو العقل الراجح إلى تكذيبه فيما يخبر به عن الله