للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تنتظم بها الشريعة ويكمل بها الدين ما زالت تنزل على حسب ما تقتضيه الحكمة، وليس استعمال المضارع للدلالة على التجدد في الماضي مختصاً بحال اقترانه بلفظ: "كان "، بل المدار على وجود قرينة تومئ إلى أنه مستعمل في هذا المعنى، ولا فرق بين أن تكون القرينة لفظية أو معنوية، متصلة باللفظ أو منفصلة عنه، وقد صرح طائفة من أئمة البلاغة بأن المضارع يستعمل في الماضي لقصد الدلالة على استمرار الفعل فيما مضى وقتاً فوقتاً. ومن الشواهد التي ساقوها على هذا قوله تعالى:

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧].

فقالوا: إن المضارع -يعني: قوله: {يُطِيعُكُمْ} مستعمل في الماضي للدلالة على استمرار الإطاعة فيما مضى وقتاً فوقتاً، وكلمة: "لو" أفادت هذا الاستمرار التجددي الذي دل عليه المضارع.

فالبيانيون قرروا استعمال المضارع للدلالة على تجدد الفعل في الماضي، ولم يقصروه على موضع، بل جعلوا مدار صحته قيام القرينة، ولا نطيل في الاستدلال على أن المضارع يستعمل لإفادة التجدد في الماضي، إذ يكفي فيه إجماعهم على أن المضارع يستعمل للفعل الماضي خاصة، ومن ذا يستطيع أن ينكر أن المضارع في قوله تعالى:

{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦].

وقوله تعالى:

{إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} [يوسف: ٣٦].

وقوله تعالى:

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: ١٢٧].