للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستعمل في فعل مضى لوجه من البلاغة، وما على المعبر بالمضارع عن الفعل الماضي سوى أن يقيم الدليل على ما يريد من الصيغة، وقد قلنا في المقال السابق: إن الأدلة التي تدعونا إلى حمل الاصطفاء في قوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي} [الحج: ٧٥] على ما كان يتجدد في الماضي، قوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]، والأحاديث الصريحة في أن لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -.

واعترض داعية القاديانية جعل آية {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} مبينة لقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي}، فقال: كلنا يعرف أن قرينة الكلام ما يصاحبه ويدل على المراد ول، وأن آية: {اللَّهُ يَصْطَفِي} مكية، وآية: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} مدنية.

وجواب هذا: أن تأخير آية {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} لا يمنع من أن تعد بياناً للمراد من قوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي}. أما على مذهب من يجيز تأخير البيان عن وقت الخطاب، فالأمر واضح؛ إذ مقتضاه أن يدل المضارع حال الخطاب على أن اصطفاء الرسل شأن من شؤون الخالق - جلّ وعلا -، فيسقط به اعتقاد من ينكر بعثة الرسل، أو ينكر أن يكون في البشر رسول، ويثبت أن الله تعالى قد بعث رسلاً من البشر، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حين ادعى الرسالة لم يدع أمراً يخالف حكمة الخالق، ويبقى صرف اصطفاء الرسل عن المستقبل إلى أن تظهر الحاجة إلى تعليم الناس أن لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأما على مذهب من يمنع تأخير البيان عن الخطاب، فنعتمد أن يكون لدى من تلقوا آية: {اللَّهُ يَصْطَفِي} عند نزولها دليل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرفها عن المستقبل، وجاءت آية: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} مؤيدة للحديث، وورود الآية بعد الحديث لا يمنع من عدها في جملة ما يبين الآية الأولى،