وإذا حصل لبعض المتقين خوف من عقاب الله، فإنما هو الخوف من أن يقعوا فيما يسلبهم الولاية، وما عدا هذا، فهو خشوع القلب أمام جلال الله وعظمته.
وقد يبدو لك أن الآية نفت الخوف على أولياء الله، ومن أولياء الله من تلحقه المكاره في الدنيا، فقد يصاب في بدنه أو ماله، وقد يناله بعض المجرمين بأذى؛ من نحو: السب، أو السجن، أو الضرب، أو القتل.
وجواب هذا: أن الآية نفت الخوف على أولياء الله من مكاره يوم القيامة، تلك المكاره التي تنتفض قلوب الموقنين عند توقعها فزعاً، وأما مكاره الدنيا، فإنهم يسألون الله تعالى أن يكفيهم شرها، وإذا مسهم شيء منها، تلقوه بصبر جميل، ومتى نظروا إلى ما يترتب على صبرهم عليها من رضا الخالق، خف أمرها، وحمدوا عاقبتها.
فأولياء الله لا تلحقهم مكاره الآخرة لإطلاق، وقد تلحقهم في الدنيا مكاره يعقبها ما هو خير منها، ومن لا يناله مكروه إلا أن يعقب ذلك المكروه خير أكبر منه، صح أن ينظر إلى ذلك المكروه الذي يصيبه بعين الاستصغار. ويقال: إن أولياء الله هم تحت رعاية الله في كل حال، فلا يدركهم في الدنيا ما يوجب الخوف عليهم.
{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:
الحزن: غمٌّ يلحق النفس من فوات نافع، أو حصول ضار. والمراد من نفي الحزن ما يوجب الحزن؛ أي: إن أولياء الله لا يمسهم ضرر، ولا يفوتهم خير، فلا يدركهم حزن في الحياة الآخرة البتَّة، وأما في الدنيا، فقد يلحقهم ما يثير شيئاً من الحزن؛ كحزن يثيره الإحساس بشدة وجع، أو تثيره عاطفة رحمة أو محبة؛ كأن يرى ولده يعالج سكرات الموت، أو يرى أخاً أو صديقاً