قد أزمع على رحلة طويلة، وحزنه في كل حال يصاحبه الرضا بقضاء الله، والحزن المصاحب للرضا بالقضاء في الدنيا يكسب صاحبه خيراً، ويعود عليه بأجر، فلا يراد نفيه عن أولياء الله.
فأولياء الله لا يغتمون لفوات نافع، أو حصول ضرر في الآخرة بإطلاق، وإذا ضاقت صدورهم في الدنيا للوقوع في أذى، أو عدم الظفر ببغية، فإنما هو حزن تثيره طبيعة من نحو المحبة، والشفقة، ولا يلبث أو يزول.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}:
هذه جملة مستأنفة لبيان المزية التي رفعتهم إلى منزلة الولاية، وهي جمعهم بين الإيمان وحسن الطاعة؛ فإن الاتقاء يصدق بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والجملة واقعة موقع جواب يتشوف إليه السامع عندما يسمع أن أولياء الله في نجاة من كل مكروه، فكأنه قيل: من هم الأولياء؟ وبماذا أدركوا ذلك الفضل العظيم؟ فقيل: هم الذين آمنوا، وكانوا يتقون.
وذكر الإيمان الذي هو التصديق بصيغة الماضي؛ لأنه يقع عقب الحجة دفعة، ثم يستقر في النفس، وذكر الاتقاء بصيغة المضارع؛ لأن فعل المأمور به، وترك المنهي عنه يتجدد، ويقع مرة بعد أخرى.
بعد أن أخبر تعالى بسلامة أوليائه من المكاره التي توجب الخوف أو الحزن،، أشار إلى ما ينالونه بعد هذه السلامة من خير وكرامة، فقال تعالى:
و {الْبُشْرَى}: الخبر السار، والمعنى: أنهم يبشرون في الدنيا وفي الآخرة بما يسرهم، ولم يذكر المبشر به؛ لتعم البشارة كل ما يوعدون به من فضل ونعيم، أما البشرى في الدنيا، فقد رويت أحاديث تنبئ بأنها الرؤيا الصالحة