يراها المؤمن، أو تُرى له، ومن لم يروا أن هذه الأحاديث بالغة مبلغ الصحة ذهبوا في تفسيرها مذاهب، أظهرها: أن البشرى في الدنيا: ما جاء في الكتاب أو السنَّة من وعد الله المتقين بالفضل، ورفعة المنزلة؛ مثل قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب: ٤٧] , وقوله تعالى:{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ}[التوبة: ٢١]. والرؤيا الصالحة من قبيل الإلهام الصادق، فهي داخلة في البشارة في الدنيا.
وأما البشرى في الآخرة، فنحو تلقي الملائكة بالسلام، وإخبارهم إياهم بما أعد الله لهم في دار الكرامة، وإلى هذا يشير قوله تعالى:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء: ١٠٣].
وتطلق البشرى على ما يبشر به الإنسان من خير، ويصح حمل الآية على هذا الوجه، والمعنى: أن لأولياء الله خيرات في الدنيا والآخرة يستبشرون بها، أما خيرات الآخرة، فكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذه الأعين، ومن خيرات الدنيا التي تعد من عواقب الإيمان والتقوى: النصر على الأعداء؛ ذلك أن من الواجبات التي لا تتحقق التقوى إلا بها: الدعوة إلى سبيل الله، والذود عن الحق بما يستطاع من يد أو لسان، ومن قام بهذا الواجب، كف الله عنه أيدي أعدائه، وأظهره عليهم، ولو كانوا أكثر منه مالاً، أو أوسع جاهاً، أو أنفذ كلمة. هذا ما يشاهد من سنة الله في الأفراد، وذلك ما يدعو المؤمن أن يمضي في سبيل دعوته إلى الحق، ولا يثبطه عنها أن يكون لخصم الحق سطوة؛ فإنهم إن استطاعوا أن يلحقوا به أذى، قد يجعل الله في ذلك الأذى خيراً كثيراً.