لم يقم حتى الآن دليل تاريخي أو نظري يطعن في صحة قصة ساقها القرآن الحكيم، ونحن نستند في صحتها إلى الآيات الدالة على أن المبعوث به لا ينطق عن الهوى، فالمؤرخ المسلم، ومعلم التاريخ لأبناء المسلمين يستمد في معارفه التاريخية من آيات الذكر الحكيم، وهي عندنا أصدق قيلاً، وأقوى سنداً مما يقصه المؤرخ من حوادث تقع في عصره، أو قريب منه، وهذه الثقة بالطبيعة لا تحصل لمن ينكر أو يرتاب في أن القرآن حجة الله على العالمين، فلا تطالب المجوسي أو البهائي بأن يدخلوا في مؤلفاتهم التاريخية ما جاء في القرآن من أنباء الأولين، وهم لم يطمئنوا إلى أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صادق أمين.
يزعم هذا الإيراني أن الرسول ينطق ببعض المبادئ العلمية مجاراة لقومه، وهي في الواقع غير صحيحة، وهذه جهالة غبي، وجراءة غوي، والرسول - عليه الصلاة والسلام - وإن لم يُبعث لتقرير المسائل العلمية التي تدركها عقول البشرية بسهولة، أو بعد جهد؛ كالطبيعيات والرياضيات لا يتحدث عن شيء منها حديث من يصدق بها إلا أن تكون صواباً، ودعوى أن لها رموزاً إنما اخترعها الإيراني وأمثاله ليستروا بها وجه جحودهم، والبرقع الشفاف لا يحجب ما وراءه.
ولم يكن تأويل البهائية وأسلافهم الباطنية لنصوص الشريعة على هذا الوجه الناقض لأصولها بشيء ابتدعوه من أنفسهم ابتداعاً، وإنما هو صنع عملوا فيه على شاكلة طائفة من فلاسفة اليهود من قبل؛ فأنا نقرأ في ترجمة "فيلون" الفيلسوف اليهودي المولود ما بين عشرين وثلاثين قبل ميلاد المسيح