الطور الذي هيأه الله لهم، وأمرهم بأن يلبسوه في غدوهم ورواحهم، وهو مراقبة سير الأفراد والجماعات، وإرشادهم إلى قصد السبيل، دون أن يأخذهم في الإرشاد ما يأخذ جبان القلب من إحجام أو تردد
ولو أن الكثير من رجال العلم كانوا يعنون بالنظر في الشؤون العامة، ويسيرون في العمل على إصلاحها بحزم ويقظة، لكانت الأمة متينة في أخلاقها، حازمة في أعمالها، بصيرة بمكايد أعدائها، تقصر أيدي الطغاة عن أن تجول في حقوقها، وتنعقد ألسنة الضالين عن أن تطعن في شريعتها، أو تحرف كلمات الله عن مواضعها.
وإذا كانت علل هبوط الأمة من تلك المنزلة الشماء إنما نشأت تحت غفلة من يتقلدون أمر رقابتها، فطريق البرء والنجاة مستبين، وهو أن يبصر علماء الإِسلام في كل شعب بهذا البلاء المحدق بالأمة، ويدركوه كما هو، ثم يقوموا بالدعوة إلى الإصلاح، وبما تناله أيديهم من وجوه الإصلاح، هذا هو أساس فلاحنا إن رغبنا في أن نكون من المفلحين، وسبيل خلاصنا من العيشة النكداء إن رغبنا في أن نكون أحراراً آمنين.
ولا يكفي العلماء عذراً عند الله، أو عند الأجيال القابلة: أن يلقوا التبعة على ولاة الأمور إذا استكبروا، أو على ذوي اليسار إذا أمسكوا، أو على رؤوس الإلحاد إذا ائتمروا؛ فقد علمهم الله كيف يدعون إلى سبيله بالحكمة، وعلمهم أن الحكمة المحمولة بيد الإخلاص لا بد من أن تحدث في النفوس الغافلة أو القاسية أثراً، وعلمهم أن الباطل لا يقف في وجه الحق، ولو كان أكثر أهل الأرض أشياعاً للباطل وأنصاراً.
ذلك هو الدواء، ولا نكتم القراء أن رجالاً من ذوي العلم قد عرفوا مكانه،