للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت الروح العسكرية مظهراً من مظاهر التقوى، ومعدودة في الخصال التي يرتفع بها أفاضل القوم درجات، وكان العلماء يحرصون على أن يكون لهم منها أوفر نصيب، وإذا رجعنا إلى تاريخ العلماء الأجلاء، وجدنا كثيراً منهم كانوا يسابقون في ميادين الحروب، وكان كثير من القضاة يقودون الجيوش؛ مثل: أسد بن الفرات قاضي القيروان وفاتح صقلية، ويحيى بن أكثم قاضي بغداد، ومنذر بن سعيد البلوطي قاضي قرطبة، ونجد في تراجم كثير من العلماء أنهم توفوا في غزوات، أو مرابطين في الثغور. وكان تقدير العلماء للروح العسكرية واتصالهم بها من أسباب قوة هذه الروح وسريانها في الأمة قاطبة.

وإذا بدا لنا أن نبحث عن أسباب ضعف هذا الروح بعد تلك القوة، تراءت لنا أسباب شتى، منها: أن التعليم الديني اتجه إلى النظر أكثر من اتجاهه إلى العمل، كأن إدراك أصول الدين وأحكامه هو الغاية الأخيرة من تعلمه، ومنها: انحدار الناس في الشهوات، والتنافس في الزينة والملاذ الجسمية؛ من نحو: الإسراف في الملابس والمطاعم، وقضاء الوقت في لهو ونوم.

قال الوزير حسن بن عبده يخاطب المستظهر أحد أمراء الأندلس:

أخوض إلى أعدائكم لجج الوغى ... وأسري إليهم حيث لا أحد يسري

وقد نام عنهم كل مستبطن الحشا ... أكول إلى الممسى نؤوم إلى الظهر

ومما يصح أن يذكر في أسباب ضعف الروح العسكرية بعد تلك القوة: ما عرض لبعض الناس من الخطأ في فهم التوكل والزهد.

أما التوكل، فجروا فيه على معنى: ترك تعاطي الأسباب، ولابس أذهانهم: أن التوكل لهذا المعنى قد يغني عن الأخذ بوسائل الدفاع، ونسي هؤلاء أن التوكل الصحيح في تعاطي الأسباب، واستمداد الحول والقوة من الله.