وهذا الأثر من قبيل الإخبار بغيب: فنقول كما قال الحافظ أبو بكر ابن العربي في كتاب "أحكام القرآن": "وربنا على ذلك مقتدر، فإن صح به الأثر، استمر عقيدة واستقر، وإلا، فالتفسير الأول يكفي في بيان معنى الآية" - يعني: تفسير التأذين بالحج بالإعلام به في جملة الشرائع-.
{يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}:
قال:{يَأْتُوكَ}، وإنما يأتون البيت الذي بناه، وهي الكعبة؛ أخذاً بطريقة الإيجاز من حذف بعض الألفاظ المفهومة من مساق الكلام. والمعنى: يأتوا بيتك؛ أي: البيت الذي توليت بناءه بأمر من الله. والرجال: جمع راجل، وهو الماشي على قدميه. والضامر من الإبل والخيل: ما انضم جنباه هزالاً من طول السير، ويطلق على المذكر والمؤنث.
ولفظ {كُلِّ} في قوله: {كُلِّ ضَامِرٍ} مستعملة في معنى التكثير؛ أي: يأتوك مشاة، وركوباً على ضُمَّر كثيرة، والعرب قد يستعملون كلمة (كل) للدلالة على كثرة ما تضاف إليه.
والآية ذكرت أغلب الأحوال التي يأتي عليها الحجّاج إلى البيت الحرام، وهي أن يجيئوا مشاة، أو ركوباً على الإبل والخيل، وهذا لا ينافي أن يجيء عهد يكثر فيه السير إلى مكة على السيارات أو الطائرات.
واستدل بعض الفقهاء على أن المشي على الأقدام أفضل من الركوب بتقديم الرجال في الآية على راكبي الضمَّر. ويروى عن ابن عباس أنه قال: ما ندمت على شيء فاتني في شيبتي إلا أني لم أحج راجلاً. ويروى: أن الحسن بن علي حج ماشياً من المدينة إلى مكة، وإن النجائب لتقاد معه.