القضايا؛ نحو: الجنائيات، ومن هنا نشأ ما يسمى في هذا العصر بالطب الشرعي، ويسميه بعض علماء الهند بالطب الحكمي، وقالوا في تعريفه: هو المعارف الطبية والطبيعية المستعملتان في الأحكام الواقعة بين الناس. وفي أمثال هؤلاء يقول بعضهم:
أعمى وأفنى ذا الطبيب بكحله ... ودوائه الأحياء والبصراء
فإذا رأيت رأيت من عميانه ... أمماً على أمواته قرّاء
وأجمع الفقهاء على أن الطبيب الماهر إذا عالج مريضاً، فأخطأ في اجتهاده، وتولد من معالجته تلف عضو أو نفس، أو ذهاب صفة، فلا ضمان عليه، بخلاف المتطبب الذي لم يتقدم له معرفة بالطب يقدم على معالجة عليل، فيترتب على علاجه تلف عضو أو نفس، فإنه يضمن (١).
ويعللون بعض الأحكام الشرعية بوجوه ترجع إلى حفظ الصحة.
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الإناء الذي يلغ فيه الكلب سبع مرات، إحداهن بالتراب، فذكر الفقيه ابن رشد في تعليل هذا الحكم، فقال: ليس من سبب النجاسة، بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الذي ولغ في الإناء كَلِباً، فيخاف من ذلك السم، قال الحفيد: وقد اعترض عليه فيما بلغني بعض الناس بأن قال: إن الكلب الكَلِبَ لا يقرب الماء حين كَلَبِه. قال: وهذا الذي قالوه عند استحكام هذه العلة بالكلاب، لا في مبادئها، وفي أول حدوثها، فلا معنى لاعتراضهم.
(١) وأصل هذا ما رواه أبو داود، والنسائي: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: "من تطبب، ولم يعلم منه الطب قبل ذلك، فهو ضامن".