وقال طائفة من محققيهم: إن المجذومين إذا كثروا يمنعون من المساجد والمجامع، ويتخذ لهم مكان ينفردون به عن الأصحاء، ويجري هذا الحكم في الجرب، وبعض أنواع الحمى التي يقرر الأطباء أنها أمراض سارية.
وعرف علماء الشريعة فضل صناعة الطب، وأنها من الأعمال التي تكسب حمداً، فأنفقوا فيها جانباً من أنظارهم وأوقاتهم، وأضافوها إلى علومهم الشرعية.
ومن هؤلاء العلماء رجال بلغوا في علوم الشريعة الذروة، منهم: الإمام أبو الحسن علي سيف الدين الآمدي، وأبو عبد الله محمد بن عمر فخر الدين الرازي، والإمام أبو عبد الله المعروف بالمازري؛ فقد كان هذا العالم كما قالوا في ترجمته: يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى في الفقه، والفيلسوف محمد بن أحمد بن رشد، وهو مؤلف "بداية المجتهد" في الفقه، وكتاب "الكليات" في الطب، والعلامة موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، فقد كان يجمع بين الفقه والطب.
وظهرت عناية العلماء بهذه الصناعة في الإقبال على تدريسها، والتأليف فيها.
وعني أمراء الإسلام بالطب، ولهذه العناية أربعة مظاهر:
أولها: تقريب الأطباء على اختلاف مللهم، وإسعادهم بالأرزاق الواسعة، والمناصب العالية؛ فقد نال عبد الملك بن أبحر الكناني لدى عمر بن عبد العزيز حظوة، وكان عمر يستطبه، ويعتمد عليه في صناعة الطب، ونال ابن أثال حظوة عند معاوية بن أبي سفيان، فكان معاوية يستطبه، ويحسن إليه، ويكثر من محادثته.