ومن عناية سيف الدولة بالأطباء: أنه كان يحضر على مائدته أربعة وعشرون طبيباً.
وقد يبلغ الطبيب أن يكون رفيع الشأن في دولة، فإذا تغيرت، وقامت دولة أخرى مكانها، استمرت منزلته في رفعة واحترام؛ كأبي بكر بن زهير: كان ذا حظوة في دولة المرابطين بالمغرب، ولما خلفتها دولة الموحدين، لقي من هذه الدولة أيضاً الإقبال والإكرام.
أما إحرازهم المناصب العالية، فقد تولى الطبيب رفيع الدين الحبلي منصب قاضي القضاة بدمشق، وتولى ابن المرخم يحيى بن سعد منصب قاضي القضاة في أيام المقتفي ببغداد، وكان طبيباً في المارستان المحمول، وفَصَّاداً فيه. وتولى الوزارة في عهد يعقوب المنصور سلطان المغرب أبو بكر بن نصر، وهو كما قالوا بمكان من اللغة مكين، ومورد من الطب عذب معين، كما تولى الطبيب يحيى بن إسحاق الوزارة لعبد الرحمن الناصر، وحظي عنده بمنزلة رفيعة، ويدلكم على أن لصناعة الطب شرفاً يثاسب الوزارة: أن هذا الطبيب الوزير قد يلجأ إليه المبتلون بأمراض عسرة وهو وزير، فيتولى علاجها بنفسه.
ثانيها: نقل كتب الطب إلى العربية، وجرى هذا في عهود طائفة من الخلفاء والأمراء؛ مثل: خالد بن يزيد بن معاوية، والمأمون، ومحمد بن عبد الملك الزيات، ومحمد بن موسى بن عبد الملك.
ودخل معظم كتب جالينوس الطبية في العربية بنقل حنين بن إسحاق، أو تصحيحه لها بعد نقلها، وظهر بعد نقل هذه الكتب إلى العربية مؤلفات عربية اللهجة؛ ككتاب "القانون" لابن سينا، وغيره من المؤلفات الوارد معظمها