وإذا أخذت في مناظرة صاحب هذه الدعوى، لم يقل في الاستدلال عليها أكثر من أنه لم يشهد الأسباب منفردة عن مسبباتها، ولا المسببات قائمة بدون أسبابها، وبهذه الشبهة ينكر أن يكون إبراهيم - عليه السلام - ألقي في النار ولم تحرقه، وينكر أن عيسى - عليه السلام - ولد من غير أب، وينكر أن تكون عصا موسى - عليه السلام - قد انقلبت ثعباناً، إلى ما يماثل هذا من الآيات البينات.
ومن الواضح أن دعواهم باطلة، وشبهتم داحضة، ولا سبيل لهم إلى إثبات أن تخلف المسببات عن أسبابها المعروفة عادة من قبيل المحال؛ فإن عدم مشاهدة انقطاع المسببات عما عرف من أسبابها لا يستلزم ارتباطهما في نفس الأمر ارتباطاً يحيل العقل انفكاكه.
أليس من الممكن أن يجعل القادر الحكيم للأمر سبباً آخر، أو يحدث مانعاً يبطل به تأثير السبب المعروف؟ ومن هنا صح الاعتقاد بالمعجزات التي دلت النصوص المحكمات على وقوعها.
فندعو شباننا الباحثين عن طرق السعادة وراحة الضمير أن يفرقوا بين ما لا يمكن وقوعه؛ مثل: وجود شخص بعينه في مكانين في زمن واحد، ومثل: كون جزء الشيء أكبر من ذلك الشيء، ومثل: رجحان أحد شيئين متساوين من غير مرجح، ويين ما يمكن وقوعه، ولا يستطيع العقل أن يخرجه من دائرة الإمكان، ولكنه يقع على وجه لم تشهده الأبصار من قبل. فالأول موضع الإنكار الحق، ومثلُه لا ترد به الشريعة السماوية في حال. والثاني موضع الغرابة، ووروده في الدين سائغ، بل محقق، وكثير من شؤون اليوم الآخر