يفضل الرجل بمقدار ما ينفق حتى يبلغ درجة الأريحية، وهي إنفاق مال كثير في غرض شريف.
اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل، سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: ما لهؤلاء؟ فقالوا: يبكون لدارهم، فقال: يا غلام! ائتهم، فأَعلمْهم أن المال والدار لهم جميعاً.
ويتفاضلون من جهة حال الإنفاق، فالذي ينفق في السر أكملُ في السخاء ممن لا ينفق إلا في العلانية. قال تعالى:
ويتفاضلون من جهة استصغار ما ينفق واستعظامه، فالذي ينفق في الخير، وينسى أو يتناسى أنه أنفق، هو أسخى ممن ينفق، ثم لا يزال يذكر ما أنفق، ولاسيما ذكره في معرض الامتنان، قال شاعر الحماسة:
فما كان مفراحاً إذا الخير مَسَّه ... ولا كان منّاناً إذا هو أنعما
وقال عبد الله بن طاهر:
أفرّق بين معروفي ومَنِّي ... وأجمع بين مالي والحقوق
ويتفاضلون من جهة السرعة إلى البذل والتباطؤ عنه. فمن يبذل المال لذوي الحاجة لمجرد ما يشعر بحاجتهم، يفضل من لا يبذل لهم المال إلا بعد أن يسألوه.
قال مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة:
مضى من كان يحمل كلَّ ثقلٍ ... ويسبق فضلُ نائله السؤالا