وقال سعيد بن العاص: قبّح الله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة.
ومن هنا أنكروا على أبي تمام قوله يمدح بعض الأسخياء:
تكاد عطاياه يجنّ جنونها ... إذا لم يُعَوِّذها بنعمة طالب
وقالوا: ما بال هذا الممدوح يحوج عطاياه إلى الجنون، ويلتمس لها العوذ والرقى، وفي يده أن يمنحها ذوي الحاجات، ولا ينتظر بها نغمات السائلين؟!.
ومن يقصد بالبذل موضع الحاجة، عرفه أو لم يعرفه، يكون أسخى ممن يخص بالنوال من يعرفهم ويعرفونه.
سألت امرأة عبد الله بن جعفر، فأعطاها مالاً كثيراً، فلاموه، وقالوا له: إنها لا تعرفك، وإنما كانت يرضيها اليسير، فقال: إن كانت ترضى باليسير، فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني، فأنا أعرف نفسي.
ومن يعطي عن ارتياح، وتلذذ بالعطاء يعد أسخى ممن يحسن، وفي نفسه حرج من العطاء:
ولم أر كالمعروف أمّا مذاقه ... فحلوٌ وأمّا وجهه فجميلُ
ومن هنا نرى الشعراء ينبهون عند المديح بالكرم على ابتهاج الممدوح وسروره عند البذل، كما قال ابن زمرك يمدح ملك غرناطة:
يسخو الغمام ووجهه متجهَّمٌ ... والوجهُ منه مع الندى يتهلَّلُ
ومن كان كرمه أصيلاً؛ أي: نشأ فيه منذ الولادة، يكون أكثر خيراً ممن يكون كرمه حديثاً، وقد يدل الأدباء على رسوخ الرجل في السخاء بأن