ولربما ابتسم الكريم من الأذى ... وفؤاده من حرِّه يتأوَّهُ
وقد يسلم من الغضب للأمر الذي يستشيط له الأحمق غضباً.
والحلم لا يعارض الأخذ بالحزم، شأن الفضائل، يأخذ بعضها بيد بعض، وتتلاقى لتتعاون على البرّ والتقوى، فإذا كان الحل سكون النفس، وعدم تهيجها للمكروه الذي يكفي في دفعه الصفح عنه، فإن من الحزم الغضب للأذى الذي يصدر عن لؤم، ويتمادى ولو مع الإغضاء عنه، قال المتنبي:
إذا قيل رفقاً قال للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وقال النابغة:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوَه أن يُكدَّرا
وقال الحسين بن عبد الصمد يمدح بعض الأمراء:
عجبوا لحلمك أن تحوَّل سطوة ... وزلال خلقك كيف عاد مكدَّرا
لا تعجبوا من رقة وقساوة ... فالنار تقدح من قضيب أخضرا
وقال آخر:
أناة فإن لم تغن عقَّب بعدها ... وعيداً فإن لم يغن أغنت عزائمُهْ
والحلم لا يشتبه بالذلة في حال؛ فإن الذلة احتمال الأذى على وجه يذهب بالكرامة؛ أما الحلم، فهو إغضاء الرجل عن المكروه حيث يزيده الإغضاء في أعين الناس رفعة ومهابة:
سياسة الحلم لا بطشٌ يكدِّرها ... فهو المهيب ولا تُخشى بوادره
ولا يظهر معنى الحلم إلا مع القدرة على دفع الأذى باليد أو اللسان،