لهذا نرى كثيراً من الشعراء متى أرادوا مدح شخص بمزية الحلم؛ نبهوا على أنه يصفح، وهو قادر على أن يجزي السيئة بمثلها، أو بما هو أكبر منها، كما قال ابن زمرك يمدح سلطان غرناطة:
ويغضي عن العوراء إغضاءَ قادرٍ ... ويرجح في الحلم الجبال الرواسيا
وقال ابن زيدون يمدح بعض الأمراء:
أرى الدهر إن يبطشْ فمنك يمينُه ... وإن تبسم الدنيا فأنت لها ثغرُ
عطاء ولا مَنٌّ، وحكم ولا هوًى ... وحلم ولا عجز، وعزٌّ ولا كِبْرُ
ونراهم متى أرادوا الفخر بالحلم، أشاروا إلى قدرتهم على مقابلة السوء بمثله؛ كما قال عمر بن قيس:
وذي ضغنٍ كففت النفسَ عنه ... وكنت على مساءته قديرا
ولو أني أشاء كسرتُ منه ... مكاناً لا يُطيق له جبورا
وكل الأخلاق في حاجة إلى أن تتعهد بالتربية والتهذيب، وأشدها حاجة إلى ذلك التعهُّد: الحلم، ولم نسمع أحداً قال: ترددنا على فلان لنأخذ عنه الشجاعة أو الكرم -مثلاً-، ولكن الأحنف بن قيس يقول: لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى الفقهاء في الفقه.
وكثيراً ما يشكو الأدباء من قلة الحلم في الناس، قال بعضهم:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلتُ كان الحلم ردَّ جوابه
وقال أبو العتاهية:
عذيري من الإنسان ما إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه