فإن أكلوا لحمي وَفَرت لحومَهم ... وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
حتى قال:
ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
ونرى الرؤساء الأذكياء يقصدون إلى الوسائل التي قد تثير غضبهم على طائفة من الأمة، فيقطعونها.
لما انتهت فتنة ابن المعتز، وعاد المقتدر إلى الخلافة، واستوزر علي ابن الفرات، حُمل إلى هذا الوزير من دار ابن المعتز صندوقان عظيمان فيهما جرائد بأسماء من بايعوا ابن المعتز، فلم يفتحهما الوزير، ورمى بهما في النار، وقال: لو فتحتهما، وقرأت ما فيهما، فسدت نيات الناس علينا. فسدَّ ابنُ الفرات بهذه السياسة باب الغضب على أشخاص قد يدفع الغضب عليهم إلى فتنة لا يدري كيف تكون عاقبتها.
وإذا وجد الناس في التغلب على الغضب عسراً، فإن لدى الرؤساء أولي القوة ما يجعلهم أقرب إلى الحلم من غيرهم، وهو القدرة على الانتقام من المسيء متى شاؤوا.
قال ابن المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب، فإن القدرة من وراء حاجته.
والشعور بالقدرة على مجازاة المسيء إن لم يؤد إلى الصفح عنه، فإنه يساعد في الأقل على التمهل في العقوية؛ فكان اندفاع الرجل إلى العقوية عند ثورة الغضب قد يلقي به في العقاب على السيئة بأعظم منها.
قال مروان بن الحكم في وصيته لابنه عبد العزيز عندما ولاه عاملاً على مصر: "إن كان بك غضب على أحد من رعيتك، فلا تؤاخذه به عند سَوْرة الغضب، واحبس عقوبتك حتى يسكن غضبك، ثم يكون منك ما يكون وأنت