أخرجت هداية الإسلام أمة هي خير الأمم في كل ناحية من نواحي الكمال الإنساني؛ إيماناً صادقاً، وخلقاً سمحاً، وأدباً سنياً، وعملاً صالحاً، ورفع راية دولة هي أرشد الدول سياسة، وأعدلها حكماً، وأنفذها بصيرة، وأحكمها نظاماً.
يشهد بهذا التاريخُ الصادق لعهد الخلفاء الراشدين، ومن اقتدى بسيرتهم من الأمراء، فكنت ترى أمة تتمتع بحياة آمنة زاهرة، على رأسها دولة كبيرة الهمة، فسيحة الصدر، تطلق عنان الحرية للناصحين، وتخفض جناحها للمستضعفين، فتأخذ بالتسامح في معاملة المخالفين، وتعتصم باليقظة والحزم في كبح جماح الباغين.
وإذا أرانا التاريخ أو المشاهدة ضعفاً أو انحطاطاً في أمة أو دولة إسلامية، فإنما نجده في النواحي التي انحرفت فيها عن معالم الدين الحق، ويكون ضعفها أو انحطاطها على قدر انحرافها عن هذه المعالم.
ينحرف الناس عن هدى الله لأهواء طاغية، أو لقلة العلم بما أرشدت إليه الشريعة، أو حذرت منه، وهاتان العلتان انتشرتا في الأمة، فشربتا دمها، وأذابتا لحمها، وأوهنتا عظامها، حتى كاد اليأس يحوم بنفوس حكمائها ودعاة إصلاحها.
نشأ في أوطاننا فريق عرفوا جانباً من هداية الله، ولكن لبستهم الشهوات، فذهبت بهم في الخلاعة والبطالة إلى مكان بعيد. ونشأ في أوطاننا فريق يحملون أذهاناً راكدة تروج فيها المزاعم السخيفة، والأساطير المنبوذة، فيحسبونها علماً نافعاً، ويطرحونها في المجالس، ولا يشعرون بسخافتها وخروجها عن دائرة التفكير الصحيح.