للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونشأ في أوطاننا فريق رزقوا أذهاناً تتقلب يميناً وشمالاً، ولكنها أذهان قد تحسب الشبهة حجة، والخيال حقيقة، فأنكروا جانباً من أصول الشريعة ونصائحها، وأخذوا يتأولون نصوصها، ويرتكبون في تأويلها طرقاً تأباها بلاغة القرآن وحكمة التشريع، ولا فرق بين هؤلاء وبين الملحدين علانية إلا هذا التأويل الذي هو كالقناع الشفاف لا يحجب ما وراءه.

ونشأ في أوطاننا فريق نظروا إلى ما برع فيه الغربيون من علوم ومبتكرات، أو نظروا إلى أنهم المسيطرون على كثير من الشعوب الشرقية، فأكبروهم، وبالغوا في إكبارهم حتى خيل إليهم أنهم لا يقولون إلا صواباً، ولا يعملون إلا حسناً، ولم يتريثوا أن أصبحوا يحاكونهم في كثير من عاداتهم، وإن نهى عنها الدين الحنيف، ويقلدونهم في آرائهم، وإن كانت عارية من كل دليل، أو ما يشبه الدليل.

ونشأ في أوطاننا فريق لم يدرسوا علوم الشريعة، أو لم يدرسوها بحق، ولكنهم درسوا علوماً دراسة كافية وعالية، وخُيِّل إليهم أن بلوغهم درجة الأساتذة في تلك العلوم يخولهم أن يخوضوا في مسائل الدين، ويظهروا بآراء لا يرجعون فيها إلى استدلال معقول، وإنما هي آراء تخرج من بين شهوات كامنة، أو أذواق غير صافية.

ولا ننسى أن نذكر في سياق هذه الدعايات دعاية غزيرة المدد، كثيرة الأعوان، هي الدعاية التي يسمونها: "التبشير"، وهذه الدعاية -وإن عجزت عن تحويل أبناء المسلمين إلى دين النصرانية- قد وصلت إلى شيء من أغراضها، وهو زلزلة عقائد بعضهم، وإيقاعهم في إلحاد.

نذكر هذه الفرق كنموذج لمظاهر الفساد الذي طرأ على حالتنا الاجتماعية