ودعا إلى الجد في العمل، فقال - عليه الصلاة والسلام -؛ "اعملوا، فكلٌّ ميسَّر لما خلق له".
ثم ألقى الشارع نظرة خاصة إلى رفع الهمة، وتقوية العزيمة من جهة كسب الرزق، فأمر بالتعفف عن السؤال؛ لما في السؤال من إراقة ماء الوجه، والظهور بمظهر الذلة والمسكنة، وحث على الجد في سبيل القوت؛ لأن العمل يخرج الرجل من بيئة الكسل، ويجعله في غنى عما في أيدي الناس، فيصبح في جسم الأمة عضواً سليماً، والغني بعمله يمكنه أن يقف بجانب من شاء موقف النظير للنظير.
عني الإسلام بترغيب النفوس في العمل، وتنفيرها من الطمع، فقبَّح السؤال، وفضَّل عليه بعض الأعمال التي يزدريها الناس، فقال - عليه السلام -: "والذي نفسي بيده! لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله، فيسأله، أعطاه أو منعه".
وأنذر الذين اعتادوا التكفف سوء العاقبة، ولقاء الخزي يوم البعث، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "مازال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم"، وتجرد الوجه من اللحم كناية عن الهوان، والمعنى: أنه يجيء يوم القيامة ولا قيمة له، ولا جاه.
ونبه لرفعة منزلة المحسنين، وانحطاط منزلة المتلقين للإحسان؛ ليرغب في الإحسان إلى العاجزين، وينفر القادرين على الكسب من البطالة، والتعويل على ما يجود به المحسنون.
خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ذكر فيها الصدقة، والتعفف عن المسألة، وقال وهو على المنبر: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي