وكان يحيى السرقسطي من أدباء الأندلس جزَّاراً، ثم اشتغل بالأدب، وترك الجِزارة، وعاد بعدُ إلى الجزارة، فأمر الوزير ابن هود أبا الفضل أن يكتب إليه يوبخه على ذلك، فكتب إليه:
تركت الشعر من عدم الإصابة ... وملت إلى التجارة والقصابة
فأجابه السرقسطي بأبيات، ومما قال خطاباً للوزير:
وحقِّك ما تركت الشعر حتى ... رأيت البخل قد أوصى صِحابه
وحتى زرت مشتاقاً خليلاً ... فأبدى لي التحيل والكآبه
وظن زيارتي لطِلاب شيء ... فنافرني وغَلَّظ لي حِجابه
وإذا كان الشاعر الذي يزين المجلس بلطائف آدابه؛ كالسرقسطي، يلاقي من إخوانه متى رأوه في بطالة مللاً وإغضاء، فكيف يكون حال من لم يكن له في الأدب غدوة ولا روحة؟!.
وإذا قيل: إن في السؤال مهانة، فإنما هو في طلب الشخص مالاً ينفقه في حاجته الخاصة، أما من يسأل الناس شيئاً من المال لينفقه في وجه من وجوه الخير، كإغاثة منكوب أو مسكين أو يتيم، أو إقامة مسجد، أو بناء حصن أو مستشفى، فإنه إنما يعمل صالحاً، ويدعو إلى معروف، وله في رسول الله أسوة حسنة؛ إذ صلى في يوم عيد، ثم جاء إلى النساء ومعه بلال ناشراً ثوبه، فوعظهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي قرطها. يخلد بعض الشبان وغير الشبان إلى البطالة على أمنية أن يتزوج بامرأة ذات ثروة، والمروءة تأبى للرجل -متى كان منفوض الكيس، أو قليل ما فيه- أن يجعل همَّه البحث عن امرأة موسرة؛ ليعيش بما تجود به عليه من مالها، ومن يرضى لنفسه هذا، فقد رضي أن تكون يده السفلى، ويد زوجته هي العليا.