والآن، وقد عزمت مصر على أن تختار نظامها بمحض إرادتها، فمن سعادتها أن يكون نظامها المرتجى منتزعاً من مثلها العليا التي تؤمن بها، وترتاح إليها، بوازع من النفس، وإيمان من القلب، لا بوازع من سلطان القوة الصماء، ونصوص القانون الذي كثيراً ما شكا أقطابه مواطن الضعف فيه.
ولقد أخذ كل عالم بمزايا نظام من الأنظمة الأجنبية يعرض على الرأي العام مزايا ذلك النظام، محاولاً إقناع الأمة بالأخذ به. إن هذه الأنظمة -مع كثيرة عيوبها، وما يحف بها من مواطن الضعف- لا يتعاملون بها مع كل من يتعامل معهم من الشعوب القوية والضعيفة، والمشاهد من حالهم: أنهم مع الشعوب القوية في عداء متواصل، ومع الشعوب الضعيفة في بغي مخجل، وما هكذا يكون أصحاب المبادئ الإنسانية السليمة، والنظم البريئة التي يراد منها سعادة المجتمع في عصر يفتخر بحضارته وعلومه، فالوصف النظري الذي نسمعه من فصحائنا وخطبائنا لبعض تلك النظم الأجنبية عنا، لا نرى آثاره في البلاد التي اخترعته، وعملت به، وقلبت جميع الأوجه في تعديله وترقيعه وتحويره لينتج لها السعادة، فكان أملها منه في السعادة كأمل الظمآن بالسراب، فكيف بنا ونحن الأجانب عن تلك النظم المخترعة لغيرنا؟! ولو حاولنا استعارتها، لكانت لنا كما تكون اللبسة التي تستعار للممثلين.
إن الدعاة لتلك الأنظمة قرروا في مؤلفاتهم، وأعلنوا في صحفهم: أنها كل لا يتجزأ، وهم يدعون هذه الأمة إلى أن تأخذ بهذا الكل الذي لا يتجزأ، شاءت أو أبت، والأمة لها نظام فطري نظيف ينظر إلى الحق من حيث هو حق، وإلى الخير من حيث هو خير، وتدين الله بقول خاتم رسله: "أيها الناس!