والكبر: التعاظم في مقام يقتضي حسن اللقاء وخفض الجناح. والتواضع: طهارة النفس من ذلك التعاظم الممقوت.
ولا تتشابه معاني هذه الألفاظ في نظر من يميز المعاني بحدودها، ويضع كل لفظ في موضعه اللائق به، ولكنك تجد في الناس من يتعاظم، ويسمي تعاظمه عزة، أو يهوي إلى الأقدام ذلة، ويسمي تذلُّلَه تواضعاً، أو يرى في غيره عزة، فيسميها كبراً، أو يرى فيه تواضعاً، فيسميه ذلة، وإلى هؤلاء يشير الشاعر بقوله:
وفي الناس من عدَّ التواضع ذلة ... وعدَّ اعتزاز النفس من جهله كبرا
وقد اشتكى بعض العظماء من أناس سموا اعتزازه انقباضاً، ونبههم لخطئهم في استعمال كلمة الانقباض، فقال:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجما
ويقال في المديح: فلان سليم القلب؛ أي: إن نفسه لا تنطوي على سوء، ولا تنزع إلى شر، ويقال في الذم: فلان خَبّ، والخَبُّ: الخدَّاع الذي يسعى بين الناس بالفساد، وقد جرى في أوهام بعض الناس أن سلامة القلب تقرن بالغباوة، وعدم التنبه للوجوه التي يأتي منها الشر، وأن الخَبَّ يقارنه الذكاء والنباهة، وجرَّهم هذا الوهم إلى أن يطلقوا على الشخص كلمة:"طيب"، أو "مبارك" على معنى: أنه ينخدع، ويقع في الشر من حيث لا يشعر، وأراد أحد الحكماء الأذكياء أن يدفع هذا الخطأ، فقال:"لست بخَبّ، والخَبُّ لا يخدعني".
ومن الظاهر أن ذلك الوهم نشأ من الذهول عن أن العلم بوجوه الشر يشع الألمعية، وكثيراً ما يجمع الرجل بين الألمعية وسلامة القلب، قال