أولاهما: أنه الزمن الذي أنزل فيه القرآن إلى سماء الدنيا جملة، أو ابتدئ فيه نزوله إلى الناس، ثم تواردت آياته على حسب ما تقتضيه الحكمة.
ثانيتهما: أنه كان مظهر الفتح الذي استوثقت به عرا دولة الإِسلام التي مدت سلطانها العادل، وساست الأمم بشريعة تلائم مصلحة كل زمان ومكان.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون للناس من بين سائر الشهور شهر يقضون بياض نهاره في عبادة الصوم، واختار أن يكون شهر رمضان هو الشهر الذي تؤدى فيه هذه العبادات ذات الحكمة السامية، والثواب الجزيل.
ولعظم ما يترتب على الصيام من إصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، جُعلت فريضته في القواعد التي يقوم عليها الإِسلام، والدليل على أن القصد من الصيام: الإصلاح والتهذيب، لا تعذيب النفوس بنحو الجوع والعطش: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(١).
وليس معنى هذا الحديث: أن من يقول زوراً، ويعمل به، ليس له من صيام، وإنما القصد منه: التنبيه على أن الصيام لا يتقبله الله تعالى بقبول حسن إلا إذا اجتنب صاحبه قول الزور والعمل به.
ولرفعه منزلة الصيام، وعظم آثاره في إصلاح النفوس وتقريبها من مقام الخالق تعالى، أخذ في نظر الشارع عناية خاصة، فجاء في الحديث