أعقمت المعاهد إلا نزراً، ونضب معين العلم إلا ثمداً، أخلدت النفوس إلى الأهواء، تفرقت الأمة أيدي سبا، تداعى بناء تلك العزة، تقلص ظل ذلك السلطان، وإذا العاقبة ما ترون بأعينكم، أو تسمعون بآذانكم.
لا أريد أن أتناول في هذا المقام ما يمس جماعتنا من مرض في الأخلاق، ولا ما تقاسيه بعض الشعوب من عسف وإرهاق، وشأني في هذا المقام أن ألفت أنظاركم إلى نزعة لو خلي سبيلها، وألقي حبلها على غاريها, لمزقت الأمة شر ممزق، ولبسطت بها في خسر دائم وشقاء بعيد.
ثلة من المخالفين، وثلة ممن نشؤوا في بيوت المسلمين، تشابهت قلوبهم، وتواطأت آراؤهم على أن يقعدوا للحق في كل مرصد، ويطعنوه في كل مقتل، يعملون على هذا القصد في بعض الصحف، في بعض المؤلفات، في نوادي بعض الجمعيات، بل أخذ الزيغ بمجامع قلوبهم، فلم يبالوا أن يقذفوه في نفوس طلاب العلم، وقد جلسوا إليهم في فطر صافية، وأذهان خالية.
ومما نقضي له أشد الأسف: أن يتخذوا في بعض المعاهد الإِسلامية أصابع يومئون بها إلى ما ابتغوا من إباحة منكر، أو استبدال جحود بإيمان.
تخيل القائمون بهذه الدعاية الزائفة أن أولياء الحق في موتة فلا ينتبهون، أو أنهم في رهبة من رؤوس الضلال فلا يكافحون، فهاجموا الدين الحنيف من نواحي شتى، وأوشكت سهامهم -لولا وقاية الله- أن تنفذ في قلوب النشء، فيرتدوا على أعقابهم خاسرين.
من مظاهر هذه الوقاية: أن كان في نشئنا فطر سليمة تدرك شر ما يوسوس به أولئك المنحرفون عن السبيل، وإن خرجوا في زي المرشد رياء، أو صاغوا دعايتهم زخرف القول غروراً. وقد رأينا بعض المتخرجين في المدارس التي