للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدرها، وتقديرُ المنازل في العلم والفضل شأنه خطير، وأثره في انتظام الحياتين المدنية والعلمية كبير؛ فإنه يعين على العدل في المعاملة، ويشجع الناشئين على التنافس في سبيل المجد، والأمةُ التي تنظر إلى النبغاء بالعين التي تنظر بها إلى غير النبغاء جديرة بأن لا يكون بين أرضها وسمائها عبقرية، وإذا أنبتت على خلاف طبيعتها ألمعياً بارعاً، لم يجد من العزم ما يجعل ألمعيته البارعة كالشجرة المباركة تؤتي في كل حين تمراً زاكياً، قال علامة نحرير يعتذر عن فتور همته بكساد علمه بين قومه:

غزلت لهم غزلاً رقيقًا فلم أجد ... لغزليَ نسّاجاً فكسَّرت مغزلي

وقال ابن حزم يشكو قلة إقبال قومه عليه، وزهدهم فيما لديه من علم:

أنا الشمس في جو العلوم منيرة ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب

وقال:

وإن مكاناً ضاق عني لضيق ... على أنه فُسْح مَهامهه سُهْب

وإن رجالاً ضيعوني لَضُيَّع ... وإن زماناً لم أنل خصبه جدبُ

وأذكر أن أحد كبار العلم بدينور قيل له: العلم لك، والصيت لأبي حامد، فقال: رفعت أبا حامد بغداد، وخفضتني دينور.

والتاريخ يحدثنا وهو صادق فيما يحدث: أن النبوغ في العلم، والإبداع في العمل، لا يصلان إلى الذروة إلا في ظلال أمة أو دولة تزن رجالها وزن المثقال.

عهد الناس تكريم العلماء والأدباء والأبطال منذ زمن بعيد، ولا أريد بتكريمهم تلكم البيضاء أو الصفراء يبذلها بعض الرؤساء أو الوجهاء لعالم