صاروا في بطالة وغيرهم في عمل، صاروا في لهو وغيرهم في جد، صاروا في تفرق وغيرهم في اتحاد، صاروا في تخاذل وغيرهم في تعاون، صاروا في خمول وغيرهم في ظهور، فكانت عاقبتهم شقاء بعد سعادة، ذلة بعد سيادة:
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا ... شكر عليه فإن الله ينزعه
أطلق أولو الألباب أنظارهم ليتعرفوا أسباب هذه الحالة الممزقة للأفئدة، فاهتدوا إلى أن العلة التي أكلت اللحم، وشربت الدم، وأوهت العظم، هي انصرفنا عن أوامر الدين الحنيف، ونبذنا لوصاياه العالية وراء ظهورنا، فتهاوناّ بالواجبات، وانقدنا إلى الشهوات، ولم ننتفع بالعظات البالغات.
قام دعاة الاصلاح يصفون تلك العلة القاتلة، وينادون بالرجوع إلى الدين الحق في غير تباطؤ، ويبينون كيف تنطبق أصوله الصحيحة وآدابه السنية، على قوانين مكارم الأخلاق، ومقتضيات المدنية الفاضلة، فأخذ الناس ينتبهون من سباتهم، ويفتحون لنصائح أولئك الدعاة قلوبهم، فقلنا: حياة جديدة، ونهضة مباركة.
وحدث بعد هذا أن خرج بعض الزائغين في ثوب الدعوة إلى الإصلاح، وصاروا يقلبون الحقائق، ويدسون السم في الدسم، وبدت الزندقة والإباحية على أفواههم، حتى نعق غراب من غربانهم قائلاً: إن سبب تأخر المسلمين ربطُهم السياسة بالدين، ولا ندري متى ربط المسلمون السياسة بالدين فتأخروا، ولا متى فصلوها عنه فتقدموا!.
وما كفى هؤلاء الزائغين أن يكونوا في أنفسهم ملاحدة إباحيين، بل تصدوا للدعاية إلى اللهو والباطل والفجور تحت اسم: الحرية والتجديد.