وعندما قامت الحركة الوطنية حوالي سنة ١٣٣٧، وجدت من الأستاذ غيرة متقدة، ونظراً حكيماً، وجأشاً قوياً، وقلماً بليغاً، فكان في مقدمة القائدين لهذه الحركة، وامتلأت الصحف بمقالاته، وكان لها في نفوس الشعب أثر عظيم. وكان الأستاذ يجاهد في سبيل القضية الوطنية، وإذا تعرض كاتب لطعن في الدين، أو إنكار لبعض حقائقه، كان الأستاذ أول من يتصدى للرد عليه، لا يبالي الأذى الذي يلحقه من أولئك الكاتبين وأذنابهم، وكانت هذه الناحية من النواحي التي يمثل بها الأستاذ مقام العالم الناصح الأمين، وهكذا كانت مقالاته في الصحف، ما بين مقالات سياسية وطنية، ومقالات دينية علمية.
وكان الأستاذ - رحمه الله - على خلق حميد، وأدب سني، يرى منه إخوانه وزائروه تواضعاً وحسن لقاء، ومن أجلِّ الخصال التي يحمد عليها: الشجاعة الأدبية، وقلة مسايرة الوجهاء في غير حق، وهي خصلة قد أخذت في التقلص حتى بين أهل العلم، وأصبحت سوقها خاملة، على أن العالم الديني لا يسمو مقامه، ويلاقي ربه طاهر الذمة، إلا أن يعطي هذه الخصلة حقها.
وكنت أود أن لا أتعرض في تأبين عالم ديني لسلامة عقيدته، ولكن بلية الضلال والانحراف عن قصد السبيل قد انتشرت حتى وصلت إلى طائفة ممن يخرجون للناس في زي رجال الدين، فأخشى أن تستشرف نفس القارئ الذي لا يعرف الأستاذ بحق إلى كلمة تنبه لناحية الروح الديني الذي كان يعمر نفس الأستاذ، فأقول: إن الأستاذ - رحمه الله - كان صحيح العقيدة، قوي الإيمان، صادق اللهجة، ولم يكن من أولئك الذين يقصدون للعبث بالدين الحق، ويذهبون به مذهب التأويل الذي يدل على جهل مرتكبه قبل أن يدل