على ضعف إيمانه وانحلال عقيدته، فكان الفقيد - رحمه الله - يجمع بين الإيمان الصادق، واستنارة البصيرة في مقتضيات العصر الحاضر. ومن هنا كان النظام الذي وضعه للمعاهد الدينية أيام كان شيخاً لعلماء الإسكندرية أساساً صالحاً لأن يقوم عليه التعليم في المعاهد الدينية.
وجه الأستاذ همته يومئذ لإصلاح نظام التعليم، ووجه همته لغرض آخر لا يقل شرفاً عن الأول، هو الاحتفاظ بكرامة أهل العلم من أساتذة وطلاب، وكان يبذل ما له من جاه في أن لا يلحق أستاذاً أو طالب علم بالمعهد، ما لا يناسب عزة العلم، كما يبذل بما له من سلطان في أن لا ينحرف أحد عن السيرة التي ينبغي أن يكون عليها طالب العلم، وإذ لم يكن للأستاذ - رحمه الله - غاية يعمل لها إلا إعلاء شأن العلم والعلماء، كان الأساتذة كما كان الطلاب أمام عاطفته الدينية العلمية على السواء.
وقد جئت مصر في آخر سنة ١٣٣٨، ووجدت ألسنة العلماء لا تزال تلهج بذكر النهضة الإصلاحية الدينية التي قام بها في عهد توليه شيخاً لمعهد الإسكندرية، ووكالة الجامع الأزهر. وكان الأستاذ - رحمه الله - يشد عزائم طلاب العلم على ما فيه خير للدين والعلم، ولا ننسى أن الطلاب الذين قاموا بإنشاء جمعية الهداية الإسلامية قد وجدوا منه تشجيعاً على المضي في سبيلهم، وها هو ذا قانونها الأساسي المشتمل على أسماء حضرات المؤسسين للجمعية يباهي بذكر اسم هذا الأستاذ العظيم.
وما زال الأستاذ يجاهد في سبيل الدين والعلم وحرية الوطن حتى أصيب بفالج ألزمه الفراش، وكانت وفاته في يوم الخميس الحادي عشر من جمادى الأولى سنة ١٣٥٨، فإلى مقام كريم، ونعيم مقيم.