وتنشر محاسنها وآدابها، وذلك أن للمحافظة على هذه اللغة، والقيام على أساليب بلاغتها، أثراً عظيماً في فهم مقاصد الدين الحق، وشأناً بالغاً في نجاح الدعوة إلى الإصلاح.
أما أثر المحافظة عليها في معرفة مقاصد الدين، فلأن القرآن المجيد نزل في أعلى طبقة من طبقات الفصاحة والبلاغة، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبين الكتاب، ويعلِّم الحكمة في أساليب واسعة يقف البلغاء دونها بمراحل.
وأما أثرها في نجاح الدعوة، فلأن الكلام المصوغ في أحسن بيان، يقع من النفوس موقعاً أشد من وقع الكلام الذي يؤدي المعنى، وهو مجرد من حلية كل بلاغة.
ويضاف إلى هذا: أن بليغ القول من منظوم ومنثور يروِّح عن الخاطر، ويزيح عن النفوس ما قد يخالطها من قلق وضجر، ويجدد نشاطها للجد إن كانت من أصحاب الجد.
وكان العلماء الأجلاء -وما زالوا- يقدرون أدب اللغة قدره، وينظرون إلى الكاتب البارع والشاعر المبدع باحترام.
فهذا العلامة ابن دقيق العيد لما بلغته قصيدة ابن خميس التلمساني التي يقول في مطلعها:
عجباً لها أيذوق طعمَ وصالها ... من ليس يأمل أن يمر ببالها
اهتز لجودة سبك هذا الشعر، وقام من شدة طربه له.
وعزم القاضي أبو البركات التلمساني على الرحلة إلى الشرق، فكتب إليه ابن خاتمة أحد شعراء تلمسان أبياتاً يقول فيها:
أشمس الغرب حقاً ماسمعنا ... بأنك قد سئمت من الإقامهْ