بعض، أو غمزوا بها غمزاً خفيفاً في بعض خطبهم، أو أشعارهم، أو مؤلفاتهم، وكان هؤلاء النفر يلاقون -بعد مقت الله تعالى- احتقار الأمة، والنظر إليهم كحيات سامة يجب الحذر منها.
كان هذا شأن المسلمين، إلى أن بليت الشعوب الإسلامية بالاحتلال الأجنبي، وكان من أغراض الأجنبي: صرف قلوب الأمة عن إيمانها، والتمسك بشريعتها، فأخذ يرمي إلى هذا الهدف بكل ما أوتي من قوة ودهاء، حتى صارت معاهد العلم تخرج لنا أفواجاً من الملاحدة والإباحيين، ووقعت مناصب ذات بال في أيدي هؤلاء، فأخذوا يشجعون على المروق من الدين، ويعملون لإبعاد الدين عن معاهد التعليم، ومظاهر السياسة، فأخذ الإلحاد يرفع رأسه، ويحاول أن يرفع صوته، ولكنه يجد قوة إيمان من سواد الأمة، فيخشى سطوتها، ويختفي حيث لا يشعر به إلا النبهاء من المؤمنين.
وعقب الحرب السابقة، ظهرت حركات وطنية ودعايات قومية، وقد يكون فيها خير، ولكنها لم تقف عند حد الاعتدال، وأخذت تنظر إلى الرابطة الإسلامية بعين الاستخفاف، بل مدت يدها إلى تمزيق أوصالها، ونالت منها شيئاً كثيراً، ووجد الملاحدة والإباحيون في هذه الدعايات مرتعاً، فأخذوا ينادون بإزالة الفوارق بين جماعات الشعب، ويريدون بإزالة الفوارق أن تهمل الجماعات أمر دينها، وتنكث يدها من شريعتها.
وفي تلك الأيام ظهرت كتب جاهر مؤلفوها بالطعن في الدين، ووجدوا من بعض ضعفاء الإيمان القابضين على طرف من زمام الأمر مناصرة ومؤازرة، ووقعت الأمة يومئذ في دهشة، وتخيل أولئك الزائغون أن المسلمين انسلخوا من إيمانهم، وأن القرآن المجيد أصبح مودعاً في الخزائن ككثير من الآثار