والمتاعب التي يواجهها الآن رجال الإصلاح في تطهير الأداة الحكومية وإصلاحها، وتقويم الاعوجاج الاقتصادي والاجتماعي، وتوجيه الأمة والوطن إلى الخير، لا شك أنها بعض نتائج هذه الناحية الضعيفة في نظام التعليم، كما رسم دنلوب خططه، ووضع أسسه؛ ليبتعد برجال المستقبل عن مواطن الخوف من الله وحده، وعن معايير الفضائل والأخلاق، وأن تكون للمصري المتعلم رسالة سامية في الحياة يحقق بها لوطنه السعادة والقوة والحيوية والنشاط الدائب الدائم، فطفقت هذه المصانع التعليمية تخرج الجيل بعد الجيل من المؤمنين بالمصلحة الذاتية وحدها دون المصلحة العامة، وبالرفاهية الشخصية من الحلال والحرام، وإن وصل الوطن إلى الحالة التي تتحدث عنها الصحف اليوم، وكان يبكي منها العقلاء دماء من قبل.
هذا التعليم في المدارس المصرية من زمن (كرومر)، إلى يوم الناس هذا، تعليم جاف، لا يعنى بتكوين الإنسانية في الإنسان، ولا الإسلامية في المسلم، ولا الوطنية في ابن الوطن، ولا الرحمة والرفق والتعاون على البر والتقوى في قلب الرجل المثقف، ولا يصل حاضر الأمة بماضيها التي تحمل لنفسها وللإنسانية أكرم أمانات الله وأنبلها.
ولعل أصدق شهادة على هذه الحقيقة جنوح عدد كثير من كبار رجال وزارة المعارف نفسها -فضلاً عن غيرهم- إلى تخريج أبنائهم في مدارس أجنبية، يعلمون أنها أسست لأبناء جاليات لا حاجة بهم إلى كثير مما يحتاج إليه التلاميذ المصريون في قوميتهم ودينهم، لكنهم اضطروا إلى الرضا لأبنائهم بهذه المدارس الغريبة عنهم، العارية عن أمسِّ حاجاتهم القومية والملية، فراراً من ناحية الضعف التي أزمنت عللها في مدارسنا، واستشرى داؤها مدة نصف قرن وأكثر.