والآن، وقد منَّ الله بهذا الانقلاب الذي هيأ برحمته أسبابه، فقد آن لمدارسنا أن تبنى على أساس أن اكتساب العلم والمعرفة غاية مطلوبة لذاتها، لا وسيلة يتذرع بها للحصول على الشهادة، ثم الحصول بالشهادة على الوظائف، نعم، إن الوظائف تحتاج إلى موظفين مثقفين من حملة الشهادات بشرط أن تكون في قلويهم مخافة الله في حقوق الأمة ومصالح أبنائها.
وقد آن لها أن تبنى على أساس أن العلم إذ الم تلازمه الفضائل الخلقية، والخوف من الله، والحرص على مرضاته، فإنه يكون حينئذ كالسلاح في أيدي من لا يجيز القانون أن يكون في أيديهم.
بل من هنا تولدت الحاجة العظمى اليوم إلى التطهير والإصلاح، وإذا لم يتغير اتجاه القطار في التعليم، فستبقى هذه الحاجة إلى التطهير والإصلاح ما دمنا على ما نحن عليه.
وقد يظن البعيدون عن معرفة أثر الدين في نفوس الجيل أن العرض السطحي للأ خلاق في كتب المطالعة وأمثالها يغني الناشئة عن تثبيت عقيدتها بالله، وتوثيق معرفتها برسالات الله في مرحلتي التعليم الابتدائية والثانوية، وعن تحقيق ذلك بتطبيقه عملياً حتى يتمرن التلاميذ عليه، وتكون فضائله سجية، لاعادة.
وكل تقصير في ذلك يجعل الانحراف الناشئ عن زيغ العقيدة أصعب صلاحاً من الانحراف الناشئ عن طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة يستهين ببعض محاسن الآداب؛ بزعم أنها ليست من الحسن في شيء، أما المغلوب للشهوة وحدها، فإنه ينصرف عن الحسنة معترفاً بأنه أقبل على سيئة؛ لذلك كانت معالجة المغلوب للشهوة أهون من معالجة من زاغت عقيدته؛ لتهاون