فنظرة الإسلام هذه إلى وحدة الأصل ووحدة الغاية في ديانات الله ورسالاته كلها، كان من أولى نتائجها: أن لا ينظر المسلمون إلى شيء من ديانات الله نظرة ضغينة أو عداء، وأن لا يذكروا أحداً من الذين حملوا رسالات الله إلى أهل الأرض إلا بالتعظيم والإجلال والتكريم، فإذا ذكروا أحداً منهم، قالوا مثلاً:"سيدنا إبراهيم عليه السلام"، و"سيدنا موسى الكليم عليه السلام"، و"سيدنا عيسى عليه السلام" يقولون ذلك عن عقيدة وإيمان؛ لأن كتابهم الحكيم طالبهم بأن يؤمنوا بذلك وأن يقولوا {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة: ٢٨٥].
ولا شك عندنا بأن دين الإسلام هو أول دين في العالم أعلن هذا المبدأ، وهذا في سورة البقرة أيضاً:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ منَ الغَىِّ}[البقرة: ٢٥٦] , بل لعل الإنسانية لم يطرق النداء بهذه العقيدة سمع أحد منها في أي بلد من بلاد الأرض قبل أن يفرض الإيمان بها في الحجاز، وقبل أن تقرر على أنها عقيدة من صميم الإيمان الإسلامي. فكل مسلم يخرج عليها، أويعمل بما ينافيها، فهو مخالف لشعبة عظيمة من شعب إيمانه بالإسلام.
والقرآن يسمي المنتسبين إلى التوراة والإنجيل:(أهل الكتاب)، ومع تسامحه العجيب الذي لم يسبق له مثيل مع بني الإنسان جميعاً؛ فإنه خص أهل الكتاب بمنزلة أسمى، ومعاملة أكرم. ومن ذلك قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة العنكبوت: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُواءآمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ