وأكثر الأحكام التي يعامل بها المعاهدون في بلاد المسلمين مبنية -بعد الوفاء بالعهد- على مبدأ المقابلة بالمثل. فنعامل رعايا كل فريق من الذين بيننا ويينهم عهد بمثل ما يعاملون به رعايانا إذا دخلوا بلادهم، ويوصي الإسلام بنيه بأن يرتبطوا بهم في بلادنا برباط الألفة والعطف والتعاون، وأن يكونوا متمتعين بحقوقهم الدينية، آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
وأعظم من كل ما تقدم مكانة أهل الذمة في الإسلام، فلفظ (الذمة) معناه: ذمة الله وعهده وأمانته ورعايته.
وقد ورد في الحديث النبوي:"من قذف ذمياً، حُدَّ يوم القيامة بسياط من نار".
وروى الخطيب البغدادي، في تاريخه -وهو من كبار أئمة الحديث الشريف، وحفاظ السنَّة النبوية- عن عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من آذى ذمياً، فأنا خصمه، ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة".
وقد بنى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على هذا الحديث أوامره إلى قائده الأعظم في جيش الفتح المصري، وواليه الأول على وادي النيل، وهو أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي، فكتب إليه عقب فتح مصر يقول:"احذر يا عمرو أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك خصماً؛ فإنه من خاصمه، خصمه". ونص عمر بن الخطاب على نفسه فيما كتبه من العهد لأهل ييت المقدس عند فتحها، فقال: إنه "أعطاهم الأمان لأنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وسائر ملتهم، لا تسكن كنائسهم، ولاينقص منها، ولا من خيرها (أي: أوقافها وصدقاتها)، ولا من صُلبهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم".