وقد نص الفقهاء عند استنباط الأحكام التشريعية من حديث:"لا يبيع رجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته"، فقالوا: البيع على بيع غير المسلم الداخل في ذمة الإسلام كالبيع على بيع المسلم، والخطبة على خطبته كالخطبة على خطبة المسلم، كلاهما حرام. وفي آداب المعاشرة نبهوا على حقوق أهل الذمة، وندبوا إلى الرفق بهم، واحتمال الأذى في جوارهم، وحفظ غيبتهم، ودفع من يتعرض لأذيتهم.
وقال الشهاب القرافي -وهو من كبار أئمة التشريع في الإسلام- في كتابه الشهير "بالفروق": "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا؛ لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا، وفي ذمةالله تعالى، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودين الإسلام. فمن اعتدى عليهم -ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو أي نوع من أنواع الأذية-، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذمة دين الإسلام".
وقال الإمام ابن حزم في مراتب الإجماع:"إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه أي: يقصدون من كان في ذمة الإسلام -، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك؛ صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة".
وبعد: فإن المسلمين قد استناروا بسماحة دينهم، وتعلموا من آدابه أن يحسنوا معاشرة أصحاب الأديان الأخرى ممن لا يكيدون لهم كيداً، ولا يُظاهرون عليهم عدواً، وأرشدهم إلى أن يعيشوا معهم في صفاء وتعاون على المصالح الوطنية المشتركة، وأنه لا ينحرف من المسلمين عن هذه الأحكام والآداب إلا المنحرفون عن دينهم، والعياذ بالله.