ذلك ونما، اتسعت شهرته بين قومه بالأمانة والصدق والاستقامة في الطريق المستقيم، حتى إذا بلغ مبلغ الرجال، دعته السيدة خديجة بنت خويلد إلى التزوج بها؛ لما اشتهربه من كريم الفضائل، ومعالي الأخلاق، فأجابها إلى ذلك، ورأى فيها من الكمال والوفاء ما قابلها عليه بأحسن منه.
ولما قارب أمر الرسالة، جعل يختلي في غار حراء للتحنث والعبادة، ومناجاة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فكانت زوجه السيدة خديجة - رضي الله عنها - تساعده على ذلك، وترسل إليه زاده في هذه الخلوة القدسية بينه وبين ربه.
وآن أوان بعثته العامة الشاملة إلى الأمم كلها عندما بلغ من عمره الشريف نحو الأربعين، فأوحى الله إليه في سورة الأنعام -وهي مما أوحى به إليه في مكة قبل الهجرة-: {قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الأنعام: ١٩] , فهو - صلى الله عليه وسلم - نذير برسالته لمعاصريه، ولكل من تبلغه دعوته في كل زمان ومكان تتلى بهما آيات هذا القرآن على ألسنة الأمم، فتبلغ أحكامها وحكمها مسامع الأجيال، ولأن رسالته عامة شاملة كتب رسالته المشهورة إلى ملوك الأرض في زمنه: قيصر، وكسرى، وهرقل، والمقوقس، والنجاشي، وملكي عمان، وغيرهم، يوجه فيها الدعوة إليهم وإلى أممهم بأن يدخلوا في دين الله.
وقد تحمل- صلوات الله عليه - في سبيل أداء الرسالة وتبليغ الدعوة ما كان يتحمل أنبياء قبله من الأذى والجفوة، والصد عن قبول الحق، إلى أن استجاب له الأنصار، وبايعوه على الإيمان، ثم نهضوا مع إخوانهم المهاجرين لمقاومة من يقف في سبيل الدعوة، أو يصد عن انتشارها، فكتب الله النصر لدعوة الحق في بدر، ثم في غيرها، إلى أن فتح الله لرسوله مكة أم القرى،