وتم تطهير بيت الله الأعظم من لوث الوثنية، ودانت العرب كلها لهذا الدين القيم، فما انتقل - صلوات الله عليه - إلى الرفيق الأعلى حتى كان سكان جزيرة العرب كلهم قد آمنوا، إلا طائفة من اليهود والنصارى أبقاهم - صلى الله عليه وسلم - على دينهم، ومنحهم ذمة الإسلام المتكفلة بحماية أنفسهم وأموالهم وشعائرهم.
ولقد عمل أصحابه الكرام - رضوان الله عليهم - بهدايته، وساروا على سنته السنية، فمضوا في الدعوة بعده إلى دين الحق، ملتزمين ما التزمه - صلى الله عليه وسلم - من العدل والرأفة والرحمة ومكارم الأخلاق، لا يفرقون في ذلك بين من اتبع دينهم أو خالفه، عملاً بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة المائدة:: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: ٨] , وبذلك فتحت لهم الممالك، واستجابت لدعوتهم الأمم، ووجد شعوب الأرض في هذه الدعوة كل ما كانوا ينشدونه في مطالب الحياة من حقوق ومواريث، وآداب ومواعظ وأخلاق وحكم، وإرشاد لأكمل الأحكام في الحرب والسلم، وكل ما يحتاج إليه الفرد والمجتمع الصالح في هذه الحياة.
ومع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين خرجوا من جزيرة العرب ليحققوا الانقلاب العظيم، الذي أراد الله أن يكون به الحد الفاصل بين الحق والباطل، كانوا قلة بالنسبة إلى الممالك والإمبراطوريات التي واجهوها بدعوتهم، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- جعل الغلبة لهم منذ تعلموا من هدايتهم القرآنية أن العبرة في الغلبة ليست للكثرة التي لم يلازمها الحزم والإخلاص للحق والصبر عليه، وذلك في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- من سورة المائدة:{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}[المائدة: ١٠٠] , وقد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - الكثرة إذا تجافت عن