ولما كان مبدأ (التملك الشخصي) من مقتضى الفطرة، فإن الإسلام اعترف به، وأقره، لكنه جنح فيه إلى الاعتدال؛ كدأب الإسلام في الأمور كلها، واشترط أن يكون هذا التملك الشخصي بالأساليب المشروعة التي أحلها الله. ثم رتب عليه تكاليف شرعية، هي نصيب الجماعة من أموال أصحاب الأموال، كما حث أهل الغنى على الأخذ بأيدي أهل الفاقة؛ حتى لا يكون في المجتمع الإسلامي إلا المحبة والتراحم، والتعاون على البر والتقوى.
وكما أقر الإسلام مبدأ التملك الشخصي، وجنح فيه إلى الاعتدال، ونظمه تنظيماً يسعد به المجتمع، كذلك أقر مبدأ آخر من مبادئ الفطرة، وهو تفاوت الناس في مواهبهم ومداركهم ومقدرتهم على الكسب لأنفسهم وعلى النفع للمجتمع، فهذا التفاوت موجود في كل زمان ومكان؛ لأنه من فطرة البشر، ويترتب عليه التفاوت والتفاضل في المعايش، لكن الإسلام -مع إقراره هذا الأمر الفطري- شرع الأحكام لتعديل آثاره، والتقريب بين طبقات الناس، وأوجد لهم مراتب أخرى يكتسبونها من فضائلهم الأدبية والخلقية، وجعل لذلك قيمة رفيعة في المجتمع الإسلامي؛ بحيث يغبط أهل الدرجات العليا في المال إخوانهم من أهل الدرجات العليا في الأخلاق والفضائل، بحسب ما سنَّه الإسلام لأهله في المجتمع الإسلامي.
ومن أعظم ما اتخذه الإسلام لحماية الفقراء من استغلال الرأسماليين وأصحاب الأموال: تحريمه للربا، وقطعه لدابر المراباة في المجتمع الإسلامي. وهذه الحماية، لا نظن أن أمة من أمم الأرض -حتى ولا المحكومة بالشيوعية- تمتعت بمثلها في نظام غير نظام الإسلام.