وتزعم الشيوعية أنها نزعت عوامل الاستغلال ووسائل استعمال الثروة من أيدي الأفراد، فحرمت عليهم امتلاكها، ودفعت بها إلى الجماعة. والذي يتأمل في الواقع يرى أن ما زعموا أنهم فوضوا أمره إلى الجماعة في وسائل الإنتاج وتوزيع المنتجات والمصنوعات، إنما تولته في النظام الشيوعي هيئة قليلة العدد من الرجال المنظمين، فبعد أن كان هذا التملك خفيف الوطأة بما هو معرض له من المنافسة وتعدد المالكين، أصبح في النظام الشيوعي منحصراً في إدارة واحدة، يقوم عليه نفر قليل، يتمتعون الآن بمعايش وقصور لا تقل فخامة وسرفاً وغطرسة واستعداداً عما كان في قصور القياصرة، بينما الجماعة كلها مجندة في السلم والحرب لتقضي حياة مملة على وتيرة واحدة لا تزيد عن حياة العمال في البلاد الأخرى، غير أن العمال يملكون في البلاد الأخرى أمرهم، ويستقلون بإرادتهم وتصرفاتهم، فينتقل أحدهم من مصنع إلى مصنع إذا أراد.
أما جمهور الأمة في النظام الشيوعي، فمسلوب الإرادة ولا يملك حق الانتقال من مصنع إلى مصنع؛ لأن المصانع كلها لا تتمتع بمزية التنافس ما دامت إدارتها في يد واحدة، تتصرف في جميع العمال كما تتصرف في المواد الخام. وبذلك تحول أغنياء البلاد المحكومة بالنظام الرأسمالي إلى رجل واحد في النظام الشيوعي، يتصرف بلا منافس في كل ما في البلاد من بشر وشجر وحجر، وكما تحول إقطاعيو البلاد الأخرى إلى أقطاعي واحد في النظام الشيوعي، فأضحى رعاياه محجوزين وراء ستار حديدي، لا يدخل عليهم أحد، ولا يتمكن من الانفصال عنه أحد.
هذا في أمور العيش وحرية التملك، وأما في أمور الدين وحرية التدين،