المحفوفة بالحكمة، والرحمة تبعث النفوس مبعث الرفق والإحسان، والحكمة تقف بالرحمة عند حدود لو تجاوزتها، انقلبت إلى ضعف ورعونة. وعلى هذا الطريق الوسط جاءت الأحكام والآداب الإسلامية الخاصة بالتصرف في الحيوان.
فقد أذن الإسلام في قتل الحيوان المؤذي؛ كالكلب العقور، والفأر، لكنه أمر بالإحسان في قتله، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم، فأحسنوا القتلة".
وأذن الإسلام في ذبح الحيوان؛ للاستمتاع بالطيب من لحومه، لكنه أمر بالإحسان في ذبحه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا ذبحتم، فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
وقد ذكر أئمة المسلمين آداباً اقتبسوها مما جاءت به الشريعة في أصول الرفق بالحيوان، فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "من الإحسان للذبيحة أن لا تجر الذبيحة إلى من يذبحها".
وقال ربيعة أحد فقهاء المسلمين وأئمتهم في المدينة: من الإحسان: أن لا تذبح ذبيحة وأخرى تنظر إليها. ونص الفقهاء على: أنه يستحب للذابح أن لا يحد شفرته بحضرة الذبيحة، وأن لا يصرعها بعنف.
وأباحت الشريعة صيد الحيوان، ولكنها منعت أن ينصب الحيوان غرضاً (أي: هدفاً) ليرمى بالنبال والرصاص، وفي "صحيح مسلم" قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً"؛ أي لتتعلموا به الصيد والرماية. وفي "صحيح مسلم" أيضاً: أن عبد الله بن عمر بن الخطاب مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم،