يوجه في كل موضع، وفي كل عمل من الأعمال أصلحَ من يقوم به، ويؤديه الأداء الصحيح، فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره؛ بسبب قرابة أو صدقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو لضغينة في قلبه على الأحق، أو لعداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
وهو النظام الذي يشعر الحاكم والمحكوم بأنهما سواء، وهذا أبو عبيدة الجراح يضرب لنا أروع الأمثال في هذا الباب، فقد فتح بلد "حمص"، فجاؤوا له بطعام فاخر صنع له خصيصاً، فما كان منه إلا أن سأل: أهذا الطعام قد أطعم منه الجيش؟ فقالوا: كلا، وإنما هو لك. فقال: ردوه؛ فإني لا آكل طعاماً لم يأكل الجيش منه!!!
وقد جاء في الآثار: أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك، فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، فقيل له: يا أمير المؤمنين! أفغرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم. وكان في مرض موته، فقال: يا بني! والله! ما منعتكم حقاً هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح، فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني.
هذه هي الأمثال التي تضرب في معنى العدالة في ولاية أمور الناس، وكلها تجمع على أن الإسلام دين إنساني محض، وهو نظامنا الذي نؤمن به، خلافاً للأنظمة الأجنبية عنا، وإن العمل به ليحول هذه الأمة إلى كتلة فولاذية مؤمنة بنظامها كإيمانها بكعبتها وقرآنها، والأمر أعظم وأخطر من أن ترتجل فيه الخطط والنظم.