للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينتمي إليها، أو وساطة ذي مكانة ما كان لولاها ليعفى من القيام بالحق الذي وجب عليه؟.

وأكثر المسلمين يحفظون في ذلك موقف النبي- صلى الله عليه وسلم - من المرأة المخزومية التي سرقت، فخاطبت قريش أسامة بن زيد؛ ليكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إسقاطه الحد عنها، فقال - صلوات الله عليه -: "أتشفع في حد من حدود الله؟ "، ثم أتى المسجد، فخطب خطبته المشهورة التي قال فيها: "أيها الناس! إنما هلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم، تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم، أقاموا عليه الحد، وايم (١) الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها".

ومن هذا الينبوع أخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المبدأ الإسلامي العظيم الذي قرره في رسالته إلى أبي موسى الأشعري واليه على البصرة، فقال له فيها: "آس بين الناس في مجلسك، وفي وجهك، وفي قضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئس ضعيف من عدلك".

ثم مضى على هذا المبدأ أئمة المسلمين وولاتهم وقضاتهم، وقد رأس القضاء بأجمعه في الفسطاط (٢) عاصمة الوطن المصري، عظيمٌ من فقهاء الإسلام، وهو إبراهيم بن أبي بكر الأجنادي، فكان مما قال مترجموه في وصفه: "كان لا يقبل وساطة ولا شفاعة، بل يصدع بالحق، ولا يولي إلا مستحقاً".

وابراهيم بن إسحاق قاضي مصر ذكروا في ترجمته: أنه حكم في قضية


(١) اليمين، يقال: يمين الله، وأيمُن الله، وأيمُ الله.
(٢) أول مدينة أسسها العرب في مصر، بناها عمرو بن العاص بين النيل وتلال المقطم نحو ٦٤٣ هـ، وبنى فيها مسجداً وداراً للإمارة.