لرجل على آخر، وكان المحكوم عليه قريب الصلة بالأمير، فتشفع المحكوم عليه بالأمير ريثما يصطلح المتقاضيان. فما كان من القاضي إبراهيم بن إسحاق إلا أن أقفل باب المحكمة، وترك القضاء، وذهب إلى منزله، فأرسل إليه الأمير يساله الرجوع قائلاً للقاضي: إني لا أعود إلى الوساطة في شيء أبداً، وليس في الحكم شفاعة.
ومن المعلوم في أحكام الفقه الإسلامي: أن الحاكم ليس له أن يشير على الخصوم بالصلح إلا إذا لم يتبين له الحق.
وقد بقيت هذه الأخلاق في علماء المسلمين حتى أيام الدولة العثمانية، فقد ذكر التاريخ: أن السلطان بايزيد حضر إلى المحكمة بين يدي شمس الدين محمد بن حمزة الفناري قاضي القسطنطينية ليشهد في قضية رفعت إليه، فما كان من القاضي الفناري إلا أن رد شهادة السلطان، ولم يقبلها، ولما سأله السلطان عن وجه رفى ها، قال له: إنك تارك للصلاة مع الجماعة، فبنى السلطان في الحال جامعاً أمام قصره، وعين لنفسه موضعاً فيه، ولم يترك صلاة الجماعة بعد ذلك.
فالمسلم الذي يأمره إسلامه برد شهادة شاهد لسبب من الأسباب، فيرد شهادته، مع أنه صاحب السلطان المطلق عليه، لا شك أنه ذو دين قد ريي أهله على إقامة الحق في كل الظروف، وعلى ألا ينحرف أحد منهم عن الحق لأية عاطفة من عواطف الحب والبغض، والرغبة والرهبة.