وكان الغرب يمنّ على الشرق في استعماره؛ بأنه حمل إليه الحضارة والنظام والمعارف، وهو لم يحمل إليه من الحضارة إلا قشورها، ومن النظام إلا ما يجعل الشرق آلة في يد الغرب، ومن المعارف إلا ما يستعمر به القلوب والعقول بعد استعمار الأرض وخيراتها، وبذلك كان الغُنم في كل هذه الأمور للمستعمر، وغُرمها على الشعوب التي رُزئت باستعماره بلادها، واستغلاله كنوزها وخيراتها.
هذه هي قصة استعمار الغرب للشرق في سيرة هولندا مع الأندونسيين، وفي سيرة إنجلترا مع الهنود، وسكان ملايو، والمصريين، والسوادنيين، وفي سيرة فرنسا مع الجزائريين، والتونسيين، والمراكشيين.
إن استيلاء فرنسا على الجزائر مثال من أمثلة التاريخ على الظروف المتناقضة التي نشأ عنها الاستعمار، فالشعب الجزائري كان يومئذ من أقوى شعوب الأرض بأخلاقه وحيويته، بينما حكومة الجزائر التي كانت تتولى أموره كانت من أفسد الحكومات في الأرض، وأضعفها وأحمقها، والمستعمر كان يستعد قبل ذلك طويلاً للبغي على الجزائر، ويتخذ لذلك مختلف الذرائع التي تنافي الدافع الأعلى.
فلما وقعت الواقعة، خارت قوى القائمين بالحكم على الجزائر، وتخلفت الحكومة العثمانية التي كانوا تابعين لها من أن تؤدي واجبها في هذا الموقف، وهنا تجلت حيوية الشعب الجزائري وأخلاقه، فنظم صفوف جهاده بقيادة الأمير عبد القادر، وظل يجاهد ببطولة منقطعة النظير مدة ثمانية عشر عاماً، ومن ذلك الحين إلى الآن والحوادث تبرهن على ضعف المستعمر الأدبي، وفراغه السياسي من الدافع الأعلى، وعلى قوة الشعب الجزائري الأدبية، وحيويته في