مقاومة ما لا يستطيع مقاومته إلا أعظم الأمم بطولة من صنوف البغي الاستعماري الذي لا يجنح إليه إلا أضعف الدول في أخلاقها ومبادئها الأدبية.
وقِس على حيوية الجزائر حيوية جارتها في الشرق والغرب، تونس، والمغرب الأقصى، ولو أن مؤرخاً من الحكماء أمثال (فولتير، وجيبون، وولز) أراد أن يقارن بين قوة فرنسا وضعفها في بداية استعمارها لشمال أفريقيا ونهايته، وبين قوة المغاربة وضعفهم بين تلك البداية والنهاية، لحكم مطمئناً بأن فرنسا اليوم تعاني في شمال أفريقيا أعراض الاضمحلال بالنسبة إلى ما كانت عليه في سنّة ١٨٣٠ م. بينما ضحايا بغيها من المغاربة لم يزدهم البغي إلا قوة وحيوية، وقد استيقظوا من غفلتهم، وتخلصوا من ضعف حكوماتهم، وأصبحوا من نتائج الفوز والفلاح قاب قوسين أو أدنى.
وما يقال عن فرنسا في شمال أفريقيا يقال مثله عن الهند التي شاهدنا باعيننا، وشاهد التاريخ معنا عواقبَ الاستعمار البريطاني فيها، واضطراره إلى الانسحاب من تلك الربوع، وازدهار الحيوية في بكستان والهند، حتى صارت منهما دولتان من كبريات الدول، وشاهدنا كذلك عاقبة الاستعمار الهولندي في أندونسيا، بعد أن رسخت أقدامه فيها ٣٠٠ سنة، فاضطر أخيراً إلى التسليم بالأمر الواقع.
لقد شب عمرو عن الطوق، بل لقد استيقظ العملاق من نومه، فأخذ يبحث عن مكانه اللائق بين الأمم، وإن الحوادث المتكررة برهنت على أن اعتماد الاستعمار على قوته المادية لا تجديه نفعاً، وأنه إنما أتي من ناحية ضعفه الأدبي؛ لأنه قائم على البغي، وآخر الشواهد على ذلك: هذه المؤامرة الاستعمارية على إخراج نحو تسع مئة ألف فلسطيني من وطنهم الذي هم