والعلامة محمد بن إبراهيم الأبلي، ضاق به وطنه، فترك مقامه الوجيه الذي وصل إليه في قصر الإمارة، ورحل عن تونس إلى الجزائر والمغرب الأقصى؛ لأن مقام أساتذته كان في نفسه فوق كل مقام.
وهذه المحبة الصحيحة التي يكنها التلميذ لأستاذه هي التي حملت العالم أحمد بن القاضي على أن يقول في شيخه المنجوري:"وصارت الدنيا تصغر بين عيني، كلما ذكرت أكل التراب للسانه، والدود لبنانه".
ومن ذلك قول ابن عرفة:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة ... وإيضاح إشكال بأحسن صورة
الأبيات، فيجيبه تلميذه الأُبِّي بقوله:
يميناً بمن أولاك في العلم رتبة ... وزان بك الدنيا بأحسن زينةِ
لمجلسك الأعلى كفيل بكلها ... على حينما عنه المجالس ولَّتِ
ووقت خروج جنازة أستاذنا الشيخ عمر بن الشيخ من منزله ليصلَّى عليها في جامع الزيتونة، ذكرتُ خروجه منه لدرس كتاب "المواقف"، والشيوخ ينتظرونه بموضع الدرس، وذكرت قول أحد الأساتذة في قصيدة ألقاها عند ختم الكتاب:
إذا عمر بن الشيخ وافى لدرسه ... تعال التقط دراً بملء جفانِ
ففاضت عيناي بالدموع.
إن هذا الأدب الإسلامي الذي جعل من الطلبة أبناء للأساتذة كفلذات كبادهم، وجعل من الأساتذة آباء لتلاميذهم، يعطفون عليهم أكثر من عطف الآباء على أبنائهم، هو الأدب اللائق بنا أن نرجع إليه لنجدد في تاريخنا عهداً